أتحلى برؤية فريدة وخبرة عالية في مجال النشر بفضل عملي ناشرًا للكتب، ومن موقعي هذا يمكنني القول إنني قادر على تحديد الأدوار التي قد تسهم في نجاح أي كتاب.

إنّ بعض الكتب لا تحتاج لترويج كونها من الروائع، وهي تروّج نفسها بنفسها. أما البعض الآخر من الكتبفيعاني ليصل إلى الجمهور، وذلك بسبب بعض المشاكل التي تعرقل عملية الترويج، وقد تقتل تلك المشاكل زخم المشروع.

تأتي خبرتي من كوني لصيق بالمنتج النهائي، إذ أنّ معظم عملي متعلق به، وهذا ما كوّن لديّ فهمًا جيدًا بما يرفع من قيمة الكتاب أو يحط من شأنه.

الأمر لا يتعلق بالتسويق فحسب، ثمة دور لا يقل أهمية عن التسويق في مجال نشر الكتب، وهو وجود محرر. إن أردتَ أن تكون مؤلفًا ناجحاً فتأكد من وجود محرر في فريقك.

التأليف والتحرير وظيفتان مختلفتان كليًا، ورغم هذا الاختلاف إلا أنّ لهما القدر نفسه من الأهمية في صناعة الكتب. قد يتساءل بعض المؤلفين: لماذا عليّ أن أوظف محررًا فيمايمكنني تحرير ما كتبت؟

عندما يحرر المؤلف ما كتب، فإنّه لن يستطيع رؤية ما ينقص نصه أو روح النص، وببساطة عندما يحرر المؤلف عمله فإنّه لن يؤثر ذاك التأثير الكبير على عمله، فعينه لن تلحظ الخلل أو النقص أو انعدام وضوح فكرة ما لدى المتلقين بسبب وضوحها لديه. سيكون الثمن هو جودة العمل في النهاية.

تعني جودة الكتاب أن كل شيء متسق، فالنص صحيح إملائيًا ونحويًا، والأسلوب انسيابي، والأفكار واضحة. وهذا سيجعل من تسويق الكتاب أمرًا أسهل وأفضل بكثير.

حسنًا، ما دور المحرر  في صناعة الكتاب؟ 

تقول ديبراانجلاندر، محررة وكاتبة واقعية، تتمتع بخبرة هائلة في هذا المجال: "لا شيء ينتقص من الكتابة الجيدة مثل التحرير السيئ، ولذلك قدّم أفضل أعمالك، ودع محترفًا يحررها ويراجعها. لا تخاطر بتدمير سمعتك بسبب أخطاء يمكنك تلافيها".

شغلت انجلاندر منصب مدير التحرير في دار جون وايلي للنشر لما يقرب من سبعة عشر عامًا، وكانت هي من تتلقى آلاف العروض من الوكلاء والمؤلفين. تعمل انجلاندر حاليًا مع المؤلفين على تقديم مقترحات ومخطوطات محررة بدقة لتضمن نجاح الكتب.

وفي مقابلة لها مع الكاتبة جين ثورنيل ريد لمناقشة كيفية نشر الكتاب، شددت انجلاندر على أهمية تقسيم العمل داخل الكتاب. لا ينبغي أن تختلط الأدوار، إذ يوفر المحرر الموضوعية التي يفتقر المرء لها عندما يراجع عمله، وقد يخشى بعض المؤلفين من أن يغيّر المحررون من مقصدهم، لكن وظيفة المحررين ليست تغيير معنى الكتاب إنما جعله أفضل ببساطة. وتقول انجلاندر في هذا الشأن أنّ المؤلفين يعجزون في بعض الأحيان عن معرفة ما يفتقر إليه مشهد ما، أو لا يرون عدم وضوح فكرة ما لشخص غير مطلع على الموضوع. ومن هنا فإنّ دور المحرر هو جعل كل شيء واضحًا وضوح الشمس، ليعيش القارئ جو الكتاب كما لو أنّه يتجول في ذهن مؤلفه من غير عوائق معرفية أو لغوية.

هل كتابك جاهز للنشر فعلًا؟ 

يُخلِّص المحرر المحتوى الأصلي من الشوائب التي تعتريه، فيصيغ النص ليصبح انسيابياً، ويحوّل الجمل ذات البنية الضعيفة والفكرة المشوشة إلى جمل واضحة ذات بنية متينة. إنّها تفاصيل صغيرة لكنها عوائق لعين القارئ وذهنه، وهي قد تدفعه لترك الكتاب إن كثرت أو قد يعجز عن فهم ما يرمي المؤلف له. تُرفَض أعمال كثيرة عندما تُعرَض على دور النشر بسبب مثل هذه التفاصيل، وهي مهمة لنشر الكتاب ولنجاحه وانتشاره.

تتمتع تيفاني ييتس مارتن بخبرة تحريرية كبيرة نتيجة عملها في هذا المجال لأكثر من 25 عامًا، وهي تعرف كيفية جعل عملية النشر أفضل لجميع المعنيين. تقول مارتن: سيوفر المحررون المشهود لهم بكفاءتهم وقتًا طويلًا وجهدًا كبيرًا على المؤلفين، إذ يضيف المحررون العمق المطلوب لعمل المؤلفين ويطوّرونه ويصقلونه، وغالبًا ما يتمتعون بالقدرة على منح المؤلفين فرصة لجذب انتباه الوكلاء والمحررين، ويزيدون قابلية العمل للبيع".

وبفضل عملها المكثّف مع دور نشر مثل نيويورك تايمز ورايترز دايجست، فإنّ لدى مارتن اعتقادًا راسخًا بأنّ التحرير هو الجزء الأهم في عملية الكتابة، وفي هذا الصدد تقول مارتن: "التحرير والمراجعة هما العمل الحقيقي للكتابة، ففي هذه المرحلة يعثر المحررون على القصة ويطوّرونها بالكامل. إنّها لمسات لها مفعول السحر للعمل... لكن معظم المؤلفين لا يعرفون هذه الحقيقة، ولا يعرفون كيفية التحرير والمراجعة، ولذلك فهم يشعرون بالإحباط عندما ترفض دور النشر مسودتهم الأولى، أو عندما تكون عملية المراجعة أصعب وأكثر تطلبًا مما توقعوا. ليس في هذا حط من شأن موهبتهم أو مهارتهم على الإطلاق، كل ما في الأمر أنّ عملية التحرير جزء طبيعي تمامًا من عملية النشر لجميع المؤلفين تقريبًا مهما كانت خبراتهم ومهاراتهم كبيرة".

يجب أن يمرّ كتابتك بعملية تحرير صارمة قبل تقديمه إلى الناشر، ومهما بدت لك فكرة تحرير عملك من قِبلك مغرية، إلا أنّ مسألة توظيف محرر فوق جميع الإغراءات، فلا مؤلف يحل محل المحرر مهما وثق بنفسه، ليس هذا فحسب، إنما تضيف تيفاني ييتس مارتن أنّه: "حتى المحررين بحاجة إلى محررين!" 

التحرير الجيّد يؤدي إلى تسويق ناجح للكتب

يخشى المؤلفون الطموحون من أن تقل أصالة عملهم بعد التحرير، لكنني وجدتُ أن العكس هو الصحيح. يشبه التعاقد مع محرر توظيف مدرب شخصي، ولا يغيّر الأمر شيئًا إذ ما يزال العمل عملك لكنه أفضل ومصقول أكثر. يمكنك ألا تستعين بمحرر لكنك ستشعر بملل كبير أثناء عملية التحرير بسبب طبيعتها التي تستغرق وقتًا طويلًا، وبالإضافة إلى أنّ إنتاج عمل ممتاز يحتاج إلى عيون مختلفة للتأكد من أنّ كل شيء بأفضل حال.

إنّ اللجوء إلى محرر لا يتنقص من كفاءة المؤلف، فالتعاون على العمل نفسه ضمان لمستوى جودة أعلى، وهو أمر محبّذ جدًا. تشير مجلة بابليشرس ويكلي (Publisher’s Weekly) إلى أنّ الأخطاء اللغوية شائعة كثيرًا بحيث أنّه لا يمكن استئصالها تمامًا، ولكن يجب بذل جهد لتقليلها ما أمكن، وتقول المجلة: "تتمثل مهمة الكاتب الأساسية في إنشاء عمل مُقنع وخالٍ من الأخطاء قدر الإمكان. إن غلاف كتاب رائع مع خطة تسويقية وموقع ويب رائع للمؤلف أمور مهمة، ولكن إن لم ينفق المؤلف الوقت والمال لعملية تحرير مركّزة، فإنّ عمله سيكون مجرّد جهد ضائع". صحيح أنّ للتسويق الجيّد للكتاب والدعاية له أمران لهما تأثيرهما الكبير، لكن لا غنى عن الجودة الحقيقية لضمان نجاح الكتاب.

خلاصة القول: أيها المؤلفون امنحوا أنفسكم فرصة مثلى للنجاح من خلال توظيف محررين، وبالتعاون معهم ستتمكنون من إنتاج أفضل إصدارات ممكنة من أعمالكم.

مقال عن موقع:  Westwind Communications

 

 سكوت لورينز

ترجمة: كنان قرحالي